انابوليس غير ناجح.. وهذه اسبابنا
27/11/2007
لا نعرف السر الذي يجعل معظم الرؤساء الامريكيين لا يلتفتون الي القضية الفلسطينية ولا يعقدون مؤتمرات سلام لحلها الا في خريف ولايتهم، اي قبل اشهر معدودة من مغادرة البيت الابيض، هذا ما فعله الرئيس بيل كلينتون، ومن قبله جورج بوش الاب، ومن بعده جورج بوش الابن الذي يستضيف مؤتمر انابوليس اليوم في حضور ممثلي اكثر من خمسين دولة وسط زفة اعلامية غير مسبوقة .
ربما تختلف الآراء حول فرص نجاح هذا المؤتمر او فشله، ولكن الامر المؤكد ان الرئيس بوش، لن يدخل التاريخ كصانع سلام، ولن يفوز بجائزة نوبل بل سيدخله كرجل دمر دولتين في الشرق الاوسط (العراق وافغانستان) وزرع الفوضي والعنف، وتسبب في مقتل مليون انسان علي الاقل، وشرّع التعذيب في سجن ابو غريب، واساء لقيم العدالة والحريات والقضاء المستقل، ابرز قيم الغرب، بفتحه معتقل غوانتنامو .
الرئيس بوش قضي سبع سنوات ونيف من عمر ولايتيه متجاهلا الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ورافضا بذل اي جهد حقيقي لرفع المعاناة عن اكثر من تسعة ملايين فلسطيني في الوطن والمهجر، فلماذا تذكر هذا الصراع فجأة، وقرر عقد مؤتمر دولي لتسويته؟ هل هو المفاعل النووي الايراني الذي يريد تدميره في حرب جديدة، ام انه استشعر وجود قيادة فلسطينية ضعيفة يمكن اجبارها علي تقديم تنازلات جوهرية لم تقدمها ولا يمكن ان تقدمها اي قيادات فلسطينية اخري؟
الرئيس محمود عباس يحضر هذا المؤتمر لانه وضع كل بيضه في السلة الامريكية، ولان سلطته في رام الله لا تستطيع ان تعيش يوما واحدا دون اموال البيت الابيض ، والرضا الاسرائيلي عليها. اما ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي فلا يستطيع ان يقول لا للادارة الامريكية اولا، ولانه مطمئن إلي دعمها وتفهمها لوضعه الداخلي ومصالح اسرائيل الاستراتيجية ثانيا.
المفارقة الكبري تكمن في المشاركة العربية المكثفة لمؤتمر انابوليس، بحيث لم تغب عنه دولة واحدة وجهت اليها الدعوة، أما دول مثل ليبيا والصومال وجيبوتي وجزر الرأس الاخضر، فيسجل لها انها لم تستجد الحضور، ولم تسع لاستقبال دعواته، ففي الصومال لا توجد حكومة حقيقية، ودولة جيبوتي غير معنية ورئيسها لا يملك طائرة خاصة تقله الي واشنطن، وحتي لو سافر اليها كمسافر عادي، فربما أراد توفير ثمن التذكرة والاقامة وانفاقها علي شعبه، وربما هذا هو حال رئيس جزر الرأس الأخضر ايضا .
وزراء الخارجية العرب يذهبون الي انابوليس كشهود زور ، ولتجنب غضب الرئيس الامريكي وتبعاته، وسيقتصر دورهم علي التطبيع، سواء في العلن او في الكواليس، وربما تتم الحاجة اليهم، او بعضهم، لممارسة ضغوط علي الطرف الفلسطيني لـ تليين موقفه، والتحلي بأعلي درجات الواقعية والبراغماتية، من حيث عدم التشبث بمواقف غير عملية مثل الاصرار علي حق العودة للاجئين واستعادة القدس، وازالة المستوطنات والنص عليها في الوثيقة المشتركة .
هناك سيناريوهان محتملان في هذا المؤتمر وما يمكن ان يتمخض عنه في المرحلة اللاحقة لانفضاضه :
الاول: ان يكون الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي قد توصلا الي هيكل اتفاق فعلي حول قضايا المرحلة النهائية، مع بقاء بعض الرتوش التي بحاجة الي تدخلات امريكية للتعامل معها وايجاد حلول وسط لها، وعقد مؤتمر لاعتمادها واضفاء شرعية دولية عليها في نهاية المطاف.
ويقول اصحاب هذا الرأي انه من غير المنطقي ان تنتهي ثمانية لقاءات قمة بين عباس واولمرت علاوة علي عشرات اللقاءات بين وفدي التفاوض علي مدي الاشهر الستة الماضية علي فشوش فلا بد ان تقدما قد حدث، وجري التعتيم عليه من خلال تصريحات متعمدة تنفي ذلك .
الثاني: يؤكد ان المفاوضات واللقاءات الفلسطينية ـ الاسرائيلية كانت مثل طحن الماء لم تتمخض عن اي اتفاق حول القضايا الرئيسية، بسبب مراوغات اولمرت، وتفهم الحكومة الامريكية لهشاشة الائتلاف الحاكم الذي يرأسه، ويحول دون اقترابه من مسائل حساسة وخلافية مثل القدس والمستوطنات ناهيك عن القنبلة شديدة الانفجار التي اسمها حق العودة .
السيناريو الثاني هو الاكثر ترجيحا، لان ستة اشهر من اللقاءات والمفاوضات علي كل المستويات لم تنجح في تفكيك مستوطنة او ازالة حاجز من خمسمئة حاجز في الضفة الغربية، ولم تفرج عن اسير فلسطيني من الوزن الثقيل، رغم وجود رصيد هائل من الأسري يتزايد يوميا لدي سلطة الاحتلال الاسرائيلي .
الرئيس عباس ليس مفوضا من الشعب الفلسطيني للتفاوض باسمه حول قضايا الحل النهائي فهو لم يرجع الي اي مؤسسة فلسطينية شرعية، معينة او منتخبة (المجلس الوطني أو المجلس التشريعي) لأخذ رأيها او الحصول علي مباركتها لخطوته هذه، استشار فقط حفنة من الشخصيات المحيطة به مثل رئيس وزرائه السيد سلام فياض الذي يمثل كتلة من نائبين في المجلس التشريعي احدهما الدكتورة حنان عشراوي التي ابتعدت عنه، والسيد ياسر عبد ربه الذي لا تمثيل له في هذا المجلس ، ويستمد شرعيته من عضوية لجنة تنفيذية انتهت صلاحيتها منذ عشر سنوات، ومات معظم اعضائها، ومن بقي منهم علي قيد الحياة، اما يرقد علي سرير المرض او بات معتكفا في بيته .
واللافت ان سلطة الرئيس عباس التي طالما اشتكت من قمع حركة حماس لمظاهرات انصارها في قطاع غزة، وهي محقة في ذلك، اصدرت فرمانا بمنع اي مظاهرات احتجاجية ضد مؤتمر انابوليس في انحاء الضفة الغربية كافة، ومن يخرج علي هذا الفرمان سيواجه بالدبابات الجديدة التي سمحت اسرائيل بدخولها الي الضفة الغربية للقيام بهذا الغرض علي الوجه الاكمل .
الرئيس عباس يذهب الي انابوليس، ويعين وفود المفاوضين، ويلتقي اولمرت او الرئيس بوش، بكل حرية، فلا مرجعيات يعود اليها، ويطلب رأيها. وهذا امر لم يحدث مطلقا في تاريخ القضية الفلسطينية علي مدي مئة عام منذ بدء المقاومة للمشروع الصهيوني في فلسطين .
وحتي لو سلمنا جدلا بانه سيعود من هذا المؤتمر، والمفاوضات التي ستنبثق عنه، باتفاق سلام، فانه لا يملك القدرة ولا الصلاحية، ولا الشعبية، لتسويقه الي الشعب الفلسطيني، ولا حتي لكوادر حركة فتح التي يتزعمها، ولم يتشاور معها من خلال الأطر الحركية المتبعة .
نكرر للمرة الثانية، او العاشرة، ان نجاح مؤتمر انابوليس في انعقاده، لان هذا الانعقاد يعني اكمال عملية التطبيع العربي ـ الاسرائيلي جزئيا او كليا، ومحاولة يائسة لتحسين صورة الرئيس بوش عربيا واسلاميا بعد جرائمه وفشله الذريع في العراق وافغانستان. واخيرا التمهيد لتحقيق السابقة الأهم، وهي تشكيل جبهة عربية اسرائيلية تحت القيادة الامريكية لضرب ايران .
الرجاء من قارئ الموضوع الدعاء للمجاهدين على الثغور
دعواتكم